صدر مؤخرا للكتاب والناقد المغربي عبد السلام المنصوري، عمل أدبي جديد بعنوان “الرواية والدهشة”، في محاولة هادفة لإعادة الاعتبار للفن الروائي، سواء على مستوى الإبداع أو النقد والتأويل، بعدما باتت الرواية مهددة بفقدان شرطها الوجودي وحسها الأخلاقي، في ظل ثورة روائية غلبت جانب الكم على حساب الكيف.
وبالإضافة إلى مقدمة ومدخل، خصّص المنصوري الفصل الأول من هذا الكتاب لحوار الفلسفة والرواية، ثم هوس الإبداع وهذيان الكتابة في الفصل الثاني، و الحقيقة والضحك في الفصل الثالث، وتحدّث في الفصل الرابع عن الرواية والتاريخ والذاكرة، فيما عنون الفصل الخامس والأخير بالرواية والاستنارة.
وفي قراءته لكتاب “الرواية والدهشة”، يقول الأستاذ عبد المجيب رحمون، وهو مهتم بالبلاغة والنقد وتحليل الخطاب، إن الكتاب “يُراهن على محاورة النظريات والمناهج النقدية والسردية، والاشتباك معها، وتحليل الأعمال الروائية العربية والأجنبية، إذ يعتبر التحليل الروايةَ فضاءً مفتوحاً على رحابة التأويل، وعلى الاحتمالات الكبيرة للحياة، من هنا تأتي كلمة الدهشة.
وعبر هذا المسار التحليلي تحدث الدهشة؛ للمؤلف بداية قبل قارئه، لأن الكتاب مثقلٌ بالمفاهيم وبالمادة المعرفية الغزيرة، تنم عن اطلاع واسع للباحث، وعن رؤية فلسفية نقدية عميقة للتراث الثقافي، سيجد القارئ زاده من البيبليوغرافيا والدراسات المؤسسة لنقد الحداثة، والسرد، ومنهج التأويل، والفلسفة والأدب، وروايات خالدة غفل عنها النقد الأدبي.
لأجل ذلك انبرى المؤلف للتأكيد على أن غاية ما يطمح إليه الكتاب هو رد الاعتبار للفن الروائي أمام تراجع النقد وانحسار وظيفة النقاد في تحويل النص الروائي إلى عناصر شكلية فارغة، وتقييدها بمناهج نظرية مخصوصة.
يضع الكتابُ القارئَ موضع اهتمامٍ، ويتعاقد معه منذ المقدمة حول ميثاق ومحتوى المضمون، لأن الكاتب ملم بشكل كبير بمفهوم ” استجابة القارئ” الذي لا ينفصل عن نظرية التلقي والمنهج التأويلي، ونظرية السرد، فالقارئ اليوم لم يعد صوريا؛ بل أضحى مثاليا وحقيقيا، خصوصا وأن الكتابَ موجهٌ للمتخصصين في النقد الروائي، والباحثين في المناهج والنظريات.
يمتح الكتاب بشكل كبير من حقل الفكر الفلسفي، ولهذا ستنتقل عدوى الدهشة إلى القارئ بعد المؤلف، دهشة إزاء منهج المؤلف وبراعته في النقد والتحليل والاقتباس والاستطراد، ودهشة ثانية ليست أقل من دهشة الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور، وهو يدعو إلى النظر في الأشياء الغريبة، من خلال توظيف العقل، وتحفيزه على التفكير في ظواهر غير مألوفة وغيبية، وتقترب كذلك من دهشة الروائي السويسري بلاز سندرار في روايته الدهشة.
إن دهشة القارئ معرفية وفلسفية تنقله من عالم القراءة الساكن إلى رحابة النقد والتفكير، وهو يتأمل النصوص الروائية، إذ يسرح بخياله مكتشفا عوالم السرد واحتمالاته اللامتناهية، ليعود مجدداً إلى منطقة الظل الساكنة.
إن الكتاب يحدث رجة معرفية، ويجسد ما أسماه الناقد والباحث المصري سعيد توفيق بالخبرة الجمالية، التي حللت مضامينها وأبعادها فسلفة الجمال الظاهراتية، وتوسعت في مداركها مختلف المدارس الأوروبية.
إن أهم إشكال تصدى له الكتاب، هو كيف تحدث الدهشة إزاء الأعمال الروائية. وكيف تعمل هذه النصوص على خلق الدهشة؟ “إنها دعوة إلى احترام الإبداع الحق، وإجلال الفن الرفيع، وصرخة من أجل إعادة النقد إلى دوره التاريخي، إنها باختصار دعوة إلى إضاءة النصوص، والكشف عن مكامن الجمال فيها، وبيان صلتها بالفكر والحياة”.
- تنويه:
يُمكن الحصول على كتاب “الرواية والدهشة”، من خلال الاتصال بالرقم الهاتفي التالي: 0648408001